اخر اخبارالموقع
أحدث المواضيع

إبحث فى الموقع

الأحد، 8 يناير 2023

العلامة المحدث الحافظ محمد المرتضى الزبيدي

 

العلامة المحدث اللغوي محمد مرتضى الزبيدي الحسيني


ترجمته:
قال القاضي ابن الحاج في “الإشراف على من بفاس من مشاهير الأشراف” من ذرية زيد الشهيد يعني ابن علي زين العابدين بن الحسين عليهم السلام، خاتمة الحفاظ بالديار المصرية الشيخ مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي” اهـ. الواسطي العراقي تأصلاً، الهندي مولدًا، الزبيدي تعلمًا وشهرة “وزبيد باليمن”، المصري وفاة، الحنفي مذهبًا، القادري إرادة، النقشبندي سلوكًا، الأشعري عقيدة، ولج في سنة ألف ومائة وخمس وأربعين للهجرة، قال الجبرتي: هكذا سمعته من لفظه ورأيته.

أصله من “بلجرام” قصبة على خمسة فراسخ من “قنوج” وراء نهر “جمج” بالهند، وبها ولد سنة ألف ومائة وخمس وأربعين للهجرة كما أرّخ إجازته لعمر بن حمودة الصفار التونسي.

كان رحمه ربعة، نحيف البدن، ذهبي اللون، متناسب الأعضاء معتدل اللحية، وقد خطه الشيب في أكثرها، مترفهًا، في ملبسه، ويعمّ مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية، ولها حبة وشراريب طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة، وبعض أطرافه ظاهر. كان لطيف الذات حسن الصفات بشوشًا بسومًا وقورًا محتشمًا مستحضرًا للنوادر والمناسبات، ذكيًا فطنًا ألمعيًا، روض فضله نضير، وماله في سعة الحفظ نظير.


مشايخه:
اشتغل على المحدث محمد فاخر بن يحيى، والدهلوي فسمع عليه الحديث وأجازه، ثم ارتحل لطلب العلم، فدخل زبيد وأقام بها مدة طويلة حتى قيل له الزبيدي وبها اشتهر، حجّ مرارًا وأخذ عن نحو من ثلاثمائة شيخ ذكرهم في معاجمه الكبير والصغير وألفية السند وشرحها، حتى قال عن نفسه في ألفيته:

وقل أن ترى كتابًا يُعتمد *** إلا ولي فيه اتصال بالسند
أو عالمًا إلا ولي إليه *** وسائطٌ توقنني عليه

ورد إلى مصر في تاسع صفر سنة ألف ومائة وسبع وستين، وسكن بخان الصاغة، وأول من أخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر، وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي، والجوهري والحنفي والبليدي والصعيدي والمدابغي، وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه. واعتنى بشأنه “اسماعيل كتخدا عزبان” وأولاه بره حتى راج أمره، واشتهر ذكره عند العام والخاص، ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة، وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأعيانه وأكابره وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام، وإسماعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاد نصير وأولاد وافي وهادوه وبرّوه. كذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة.


ثناء العلماء عليه:

قال تلميذه الجبرتي في تاريخه: “لم يزل المترجم يحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون، كعلم الأنساب والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائف طرائق المستحدثين المتأخرين بالمتقدمين، وألّف كتبًا ومنظومات وأراجيز جمّة، وذكر أنه أحيا إملاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين من حفظه على طرق مختلفة. وكان إذا دعاه أحد الأعيان المصريين إلى بيوتهم، يذهب مع خواص الطلبة والمقرئ والمستملي وكاتب الأسماء، فيقرأ لهم شيئًا من الأجزاء الحديثية بحضور الجماعة وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده، وبناته ونساؤه من خلف الستائر، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ تحت ذلك “صحيح ذلك” وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمان السالف كما رأيناه في الكتب القديمة” اهـ.

وأثنى عليه تلميذه الوجيه عبد الرحمن الأهدل فقال: “إمام المسندين خاتمه الحفاظ المحدثين المعتمدين”.

وقال عنه من أعلام المغرب الحافظ ابن عبد السلام الناصري في رحلته لما ترجمه فيها: ألفيته عديم النظير في كمال الاطلاع والحفظ واللغة والأنساب، فهو والله سيوطي زمانه، انخرق له من العوائد ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي.

وقال عنه أبو الربيع عبد الرحمن الحَوّات في “السر الظاهر” الإمام الحافظ النسابة ملأ البسيطة بعلومه ومعارفه، أمتع الله به اهـ.

وقال عنه محدث الشام الوجيه عبد الرحمن الكزبري: “إمام المسندين وخاتمة المحدثين”.

وقال عنه عالم مصر الشمس محمد بن علي الشواني الأزهري: “شيخ الإسلام علامة الأنام ناشر لواء السنة المحمدية، وواصل الأسانيد النبوية أبو الجود وأبو الفيض” وقد ترجمه من متأخري المصريين محمد إبراهيم فني المصري في جزء صغير سماه “الجوهر المحسوس في ترجمة صاحب القاموس”.

كذلك ترجمه تلميذه الجبرتي في تاريخه لكنه ما سلم من حسده.

وكانت سُنة الإملاء قد انقطعت بموت الحافظ ابن حجر وتلاميذه كالسخاوي والسيوطي وبهما ختم الإملاء، فأحياه الزبيدي، ووصلت أماليه إلى نحو أربعمائة مجلد، كان يملي كل اثنين وخميس فقط.


صيته وشهرته:

كان لعظم شهرته يكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والمغرب والسودان وفزان والجزائر واستجازوه. وممن أخذ عنه من ملوك الأرض، خليفة الإسلام في وقته السلطان عبد الحميد الأول ووزيره الأكبر محمد باشا بالمكاتبة، وكذلك انجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك السكندراني وأبي أيوب الدفتردار فسعوا إلى منزله لحضور مجالس درسه، وواصلوه بالهدايا الجزيلة فاشترى الجواري، وعمل الأطعمة للضيوف، وأكرم الواردين والوافدين من الآفاق البعيدة، وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية إلى مصر، وسمع به، فحضر إليه، والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريري، فكان يذهب إليه بعد فراغه درس شيخون، ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية.


كتبه ومصنفاته:
أهمها: “تاج العروس في شرح القاموس”، طبع، “اتحاف السادة المتقين” وهو شرح إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، “أسانيد الكتب الستة”، طبع، “عقود الجواهر الحنفية في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة”، مجلدان، طبع، “كشف اللثام عن ءاداب الإيمان والإسلام”، “رفع الشكوى وترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب”، “معجم شيوخه”، “ألفية السند” وهو في الحديث يحتوي على 1500 بيت وشرحها، “مختصر العين” وهو مختصر كتاب العين المنسوب للخليل بن أحمد، “التكملة والصلة والذيل للقاموس”، مجلدين، “إيضاح المدارك بالافصاح عن العواتك”، “عقد الجمان في بيان شعب الإيمان” رسالة، “تحفة القماعيل في مدح شيخ العرب إسماعيل”، “تحقيق الوسائل لمعرفة المكاتبات والرسائل”، “جذوة الاقتباس في نسب بني العباس”، “حكمة الإشراف إلى كتاب الآفاق”، “الروض المعطار في نسب ءال جعفر الطيار”، “مزيل نقاب الخفاء عن كنى سادتنا بني الوفاء”، “بُلغة الغريب في مصطلح ءاثار الحبيب”، “تنبيه العارف البصير على أسرار الحزب الكبير”، “سفينة النجاة المحتوية على بضاعة مزجاة من الفوائد المنتقاة”، “غاية الابتهاج لمقتفي مسلم بن الحجاج”، “نشوة الارتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح”، “العرائس المجلوة في ذكر أولياء فوة”، “لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة”، طبع.

وفاته:
أصيب رحمه الله بالطاعون في شعبان سنة ألف ومائتين وخمس للهجرة بعد أن صلى الجمعة في مسجد الكردي القريب من داره، فدخل داره واعتُقل لسانه في تلك الليلة وتوفي يوم الأحد. فأخفت زوجته الثانية وأقاربها نبأ موته حتى نقلوا الأشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب ثم أشاعوا موته يوم الاثنين، وخرجوا بجنازته، وصلوا عليه ودفن بقبر كان قد أعده لنفسه في حياته بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية بنت علي بن أبي طالب. ولم يعلم بموته أهل الأزهر ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون، ولم يترك ابنًا ولا بنتًا.

ذكر الحسن الحريري وكان من خاصته وممن يخدمه أنه حضر إليه في يوم السبت في موضه قبل وفاته وطلب الدخول لعيادته، فأدخلوه عليه، فوجده راقدًا معتقل اللسان، وزوجته وأصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل والخبايا والصناديق إلى الليوان، ووجد أكوامًا من الأقمشة الهندية والكشمير وأشياء في ظروف وأكياس وساعات العلب الثمينة، قال الحريري: فجلست عند رأسه وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه “يعني زوجته وأهلها” ثم أغمض عينيه رحمه الله.

اللهم اجز سيدنا مرتضى الزبيدي عنا كل خير واحشرنا معه في الفردوس الأعلى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق